فصل: تفسير الآيات (29- 32):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نظم الدرر في تناسب الآيات والسور (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (20- 24):

{وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)}
ولما كان تقدير الكلام الذي أرشد إليه السياق: فلما سمع الفرعوني قول الإسرائيلي تركه. ثم رقي الكلام إلى أن ببغ فرعون فوقع الكلام في الأمر بقتل موسى عليه الصلاة والسلام، عطف عليه قوله: {وجاء رجل} أي ممن يحب موسى عليه الصلاة والسلام. ولما كان الأمر مهماً، يحتاج إلى مزيد عزم وعظم قوة، قدم فاعل المجيء على متعلقه بخلاف ما في سورة يس.
ولما كان في بيان الاقتدار على الأمور الهائلة من الأخذ بالخناق حتى يقول القائل: لا خلاص، ثم الإسعاف بالفرج حتى يقول: لا هلاك، قال واصفاً للرجل: {من أقصا المدينة} أي أبعدها مكاناً، وبين أنه كان ماشياً بقوله: {يسعى} ولكنه اختصر طريقاً وأسرع في مشيه بحيث كان يعدو فسبقهم بإعظامه للسعي وتجديد العزم في كل وقت من أوقات سعيه فكأنه قيل: ما فعل؟ فقيل: {قال} منادياً له باسمه تعطفاً وإزالة للبس: {يا موسى} وأكد إشارة إلى أن الأمر قد دهم فلا يسع الوقت الاستفصال فقال: {إن الملأ} أي أشراف القبط الذين في أيديهم الحل والعقد، لأن لهم القدرة على الأمر والنهي {يأتمرون بك} أي يتشاورون بسببك، حتى وصل حالهم في تشاورهم إلى أن كلاًّ منهم يأمر الآخر ويأتمر بأمره، فكأنه قيل: لم يفعلون ذلك؟ فقيل: {ليقتلوك} لأنهم سمعوا أنك قتلت صاحبهم {فاخرج} أي من هذه المدينة؛ ثم علل ذلك بقوله على سبيل التأكيد ليزيل ما يطرق من احتمال عدم القتل لكونه عزيزاً عند الملك: {إني لك} أي خاصة {من الناصحين} أي العريقين في نصحك {فخرج} أي موسى عليه الصلاة والسلام مبادراً {منها} أي المدينة لما علم من صدق قوله مما حفّه من القرائن، حال كونه {خائفاً} على نفسه من آل فرعون {يترقب} أي يكثر الالتفات بإدراة رقبته في الجهات ينظر هل يتبعه أحد؛ ثم وصل به على طريق الاستئناف قوله: {قال} أي موسى عليه الصلاة والسلام: {رب} أي أيها المحسن إليّ بالإيجاد والتربية وغير ذلك من وجوه البر {نجني} أي خلصني، مشتق من النجوة، وهو المكان العالي الذي لا يصل إليه كل أحد {من القوم الظالمين} أي الذين يضعون الأمور في غير مواضعها فيقتلون من لا يستحق القتل مع قوتهم، فاستجاب الله له فوفقه لسلوك الطريق الأعظم نحو مدين، فكان ذلك سبب نجاته، وذلك أن الذين انتدبوا إليه قطعوا بأنه لا يسلك الطريق الأكبر، جرياً على عادة الخائفين الهاربين في المشي عسافاً، أو سلوك ثنيات الطريق فانثنوا فيما ظنوه يميناً وشمالاً ففاتهم.
ولما دعا بهذا الدعاء، أعلم الله تعالى باستجابته منه مخبراً بجهة قصده زيادة في الإفادة فقال: {ولما} أي فاستجاب الله دعاءه فنجاه منهم ووجهه إلى مدين ولما {توجه} أي أقبل بوجهه قاصداً {تلقاء} أي الطريق الذي يلاقي سالكه أرض {مدين} مدينة نبي الله شعيب عليه الصلاة والسلام متوجهاً بقلبه إلى ربه {قال} أي لكونه لا يعرف الطريق: {عسى} أي خليق وجدير وحقيق.
ولما كانت عنايته بالله أتم لما له من عظيم المراقبة، قال مقدماً له: {ربي} أي المحسن إليّ بعظيم التربية في الأمور المهلكة {أن يهديني سواء} أي عدل ووسط {السبيل} وهو الطريق الذي يطلعه عليها من غير اعوجاج.
ولما كان التقدير: فوصل إلى المدينة، بنى عليه قوله: {ولما ورد} أي حضر موسى عليه الصلاة والسلام حضور من يشرب {ماء مدين} أي الذي يستقي منها الرعاء {وجد عليه} أي على الماء {أمة} أي جماعة كثيرة هم أهل لأن يَقْصُدوا ويُقصَدوا، فلذلك هم عالون غالبون على الماء؛ ثم بين نوعهم بقوله: {من الناس} وبين عملهم أيضاً بقوله: {يسقون} أي مواشيهم، وحذف المفعول لأنه غير مراد، والمراد الفعل، وكذا ما بعده فإن رحمته عليه الصلاة والسلام لم تكن لكون المذود والمسقي غنماً بل مطلق الذياد وترك السقي {ووجد من دونهم} أي وجداناً مبتدئاً من أدنى مكان من مكانهم الآتي إلى الماء {امرأتين} عبر بذلك لما جعل لهما سبحانه من المروءة ومكارم الأخلاق كما يعلمه من أمعن النظر فيما يذكر عنها {تذودان} أي توجدان الذود، وهو الكف والمنع والطرد وارتكاب أخف الضررين، فتكفان أغنامهما إذا نزعت من العطش إلى الملأ لئلا تخلط بغنم الناس.
ولما كان هذا حالاً موجباً للسؤال عنه، كان كأنه قيل: فما قال لهما؟ قيل: {قال} أي موسى عليه الصلاة والسلام رحمة لهما: {ما خطبكما} أي خبركما ومخطوبكما أي مطلوبكما، وهوكالتعبير بالشأن عن المشؤون الذي يستحق أن يقع فيه التخاطب لعظمه، في ذيادكما لأغنامكما عن السقي؛ قال أبو حيان: والسؤال بالخطب إنما يكون في مصاب أو مضطهد.
ولما كان من المعلوم أن سؤاله عن العلة {قالتا} أي اعتذاراً عن حالهما ذلك؛ وتلويحاً باحتياجهما إلى المساعدة: {لا} أي خبرنا أنا لا {نسقي} أي مواشينا، وحذفه للعلم به {حتى يصدر} أي ينصرف ويرجع {الرعاء} أي عن الماء لئلا يخالطهم- هذا على قراءة أبي عمرو وابن عامر بفتح الياء وضم الدال ثلاثياً، والمعنى على قراءة الباقين بالضم والكسر: يوجدوا الرد والصرف.
ولما كان التقدير: لأنا من النساء، وكان المقام يقتضي لصغر سنهما أن لهما أباً، وأن لا إخوة لهما وإلا لكفوهما ذلك، عطفتا على هذا المقدر قولهما: {وأبونا شيخ كبير} أي لا يستطيع لكبره أن يسقي، فاضطررنا إلى ما ترى، وهذا اعتذار أيضاً عن كون أبيهما أرسلهما لذلك لأنه ليس بمحظور، فلا يأباه الدين، والناس مختلفون في ذلك بحسب المروءة، وعاداتهم فيها متباينة وأحوال العرب والبدو تباين أحوال العجم والحضر، لاسيما إذا دعت إلى ذلك ضرورة {فسقى} أي موسى عليه الصلاة والسلام {لهما} لما علم ضرورتهما، انتهازاً لفرصة الأجر وكرم الخلق في مساعدة الضعيف، مع ما به من النصب والجوع {ثم تولى} أي انصرف موسى عليه الصلاة والسلام جاعلاً ظهره يلي ما كان يليه وجهه {إلى الظل} أي ليقيل تحته ويستريح، مقبلاً على الخالق بعد ما قضى من نصيحة الخلائق، وعرفه لوقوع العلم بأن بقعة لا تكاد تخلو من شيء له ظل ولاسيما أماكن المياه {فقال} لأنه ليس في الشكوى إلى المولى العلي الغني المطلق نقص {رب}.
ولما كان حاله في عظيم صبره حاله من لا يطلب، أكد سؤاله إعلاماً بشديد تشوقه لما سأل فيه وزيادة في التضرع والرقة، فقال: {إني} ولأكد الافتقار بالإلصاق باللام دون إلى فقال: {لما} أي لأي شيء. ولما كان الرزق الآتي إلى الإنسان مسبباً عن القضاء الآتي عن العلي الكبير، عبر بالإنزال وعبر بالماضي تعميماً لحالة الافتقار، وتحققاً لإنجاز الوعد بالرزق فقال: {أنزلت} ولعله حذف العائد اختصاراً لما به من الإعياء {إليّ من خير} أي ولو قل {فقير} أي مضرور، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه كان قد بلغ من الضر أن اخضر بطنه من أكل البقل وضعف حتى لصق بطنه بظهره. فانظر إلى هذين النبيين عليهما الصلاة والسلام في حالهما في ذات يدهما، وهما خلاصة ذلك الزمان، ليكون لك في ذلك أسوة، وتجعله إماماً وقدوة، وتقول: يا بأبي وأمي! ما لقي الأنبياء والصالحون من الضيق والأهوال في سجن الدنيا، صوناً لهم منها وإكراماً من ربهم عنها، رغعة لدرجاتهم عنده، واستهانة لها وإن ظنه الجاهل المغرور على غير ذلك، وفي القصة ترغيب في الخير، وحث على المعاونة على البر، وبعث على بذل المعروف مع الجهد.

.تفسير الآيات (25- 28):

{فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28)}
ولما كان سماعهما لقوله هذا مع إحسانه إليهما سبباً لدعاء شعيب عليه الصلاة والسلام له، قال بانياً على ما تقديره: فذهبت المرأتان إلى أبيهما فحدثتاه بخبرهما وبإحسانه إليهما، فأمر بدعائه ليكافئه: {فجاءته} أي بسبب قول الأب وعلى الفور {إحداهما} أي المرأتين حال كونها {تمشي} ولما كان الحياء كأنه مركب لها وهي متمكنة منه، مالكة لزمامه، عبر بأداة الاستعلاء فقال: {على استحياء} أي حياء موجود منها لأنها كلفت الإتيان إلى رجل أجنبي تكلمه وتماشيه؛ ثم استأنف الإخبار عما تشوف إليه السامع من أمرها فقال: {قالت} وأكدت إعلاماً بما لأبيها من الرغبة إلى لقائه في قولها: {إن أبي} وصورت حاله بالمضارع فقالت: {يدعوك ليجزيك} أي يعطيك مكافأة لك، لأن المكافأة من شيم الكرام، وقبولها لا غضاضة فيه {أجر ما سقيت لنا} أي مواشينا، فأسرع الإجابة لما بينهما من الملاءمة، ولذلك قال: {فلما} بالفاء {جاءه} أي موسى شعيباً عليهما الصلاة والسلام {وقص} أي موسى عليه الصلاة والسلام {عليه} أي شعيب عليه الصلاة والسلام {القصص} أي حدثه حديثه مع فرعون وآله في كفرهم وطغيانهم وإذلالهم لعباد الله، وتتبع له الأمور على ما هي عليه لما توسم فيه بما آتاه اله من الحكم والعلم من النصيحة والشفقة، والعلم والحكمة، والجلال والعظمة.
ولما كان من المعلوم أنه لا عيشة لخائف، فكان أهم ما إلى الإنسان الأمان، قدم له التأمين بأن {قال} أي شعيب له عليهما الصلاة والسلام: {لا تخف} أي فإن فرعون لا سلطان له على ما ههنا، ولأن عادة الله تعالى جرت أن تواضعك هذا ما كان في أحد إلا قضى الله برفعته، ولذلك كانت النتيجة: {نجوت} أي يا موسى {من القوم الظالمين} أي هو وغيره وإن كانوا في غاية القوة والعراقة في الظلم.
ولما اقتضى هذا القول أنه آواه إليه، علمت انتباه مضمونه، وكانتا قد رأتا من كفايته وديانته ما يرغب في عشرته، فتشوفت النفس إلى حالهما حينئذ، فقال مستأنفاً لذلك: {قالت إحداهما} أي المرأتين. قيل: وهي التي دعته إلى أبيها مشيرة بالنداء بأداة البعد إلى استصغارها لنفسها وجلالة أبيها: {يا أبت استأجره} ليكفينا ما يهمنا؛ ثم عللت قولها فقالت مؤكدة إظهاراً لرغبتها في الخير واغتباطها به: {إن خير من استأجرت} لشيء من الأشياء {القوي} وهو هذا لما رأيناه من قوته في السقي {الأمين} لما تفرسنا فيه من حيائه، وعفته في نظره ومقاله وفعاله، وسائر أحواله؛ قال أبو حيان: وقولها قول حكيم جامع، لأنه إذا اجتمعت الأمانة والكفاية في القائم بأمر فقد تم المقصود. {قال} أي شعيب عليه الصلاة والسلام، وهو في التوراة يسمى: رعوئيل- بفتح الراء وضم العين المهملة وإسكان الواو ثم همزة مكسورة بعدها تحتانية ساكنة ولام، ويثرو- بفتح التحتانية وإسكان المثلثة وضم الراء المهملة وإسكان الواو {إني أريد} يا موسى، والتأكيد لأجل أن الغريب قل ما يرغب فيه أول ما يقدم لاسيما من الرؤساء أتم الرغبة {أن أنكحك} أي أزوجك زواجاً، تكون وصلته كوصلة أحد الحنكين بالآخر {إحدى ابنتي}.
ولما كان يجوز أن يكون المنكح منهما غير المسقي لهما، نفى ذلك بقوله: {هاتين} أي الحاضرتين اللتين سقيت لهما، ليتأملهما فينظر من يقع اختياره عليها منهما ليعقد له عليها {على أن تأجرني} أي تجعل نفسك أجيراً عندي أو تجعل أجري على ذلك وثوابي {ثماني حجج} جمع حجة- بالكسر، أي سنين، أي العمل فيها بأن تكون أجيراً لي أستعملك فيما ينوبني من رعية الغنم وغيرها، وآجره- بالمد والقصر، من الأجر والإيجار، وكذلك أجر الأجير والمملوك وآجره: أعطاهما أجرهما {فإن أتممت} أي الثماني ببلوغ العقد بأن تجعلها {عشراً} أي عشر سنين {فمن} أي فذلك فضل من {عندك} غير واجب عليك، وكان تعيين الثماني لأنها- إذا أسقطت منها مدة الحمل- أقل سن يميز فيه الولد غالباً، والعشر أقل ما يمكن فيه البلوغ، لينظر سبطه إن قدر فيتوسم فيه بما يرى من قوله وفعله، والتعبير بما هو من الحج الذي هو القصد تفاؤلاً بأنها تكون من طيبها بمتابعة أمر الله وسعة رزقه وإفاضة نعمه ودفع نقمه أهلاً لأن تقصد أو يكون فيها الحج في كل واحدة منها إلى بيت الله الحرام.
ولما ذكر له هذا، أراد أن يعلمه أن الأمر بعد الشرط بينهما على المسامحة فقال: {وما أريد أن أشق عليك} أي أدخل عليك مشقة في شيء من ذلك ولا غيره لازم أو غير لازم؛ ثم أكد معنى المساهلة بتأكيد وعد الملاءمة فقال: {ستجدني} ثم استثنى على قاعدة أولياء الله وأنبيائه في المراقبة على سبيل التنزل فقال: {إن شاء الله} أي الذي له جميع الأمر {من الصالحين} أي في حسن الصحبة والوفاء بما قلت وكل ما تريد من خير {قال} أي موسى عليه السلام {ذلك} أي الذي ذكرت من الخيار وغيره {بيني وبينك} أي كائن بيننا على حكم النصفة والعدل والسواء على ما ألزمتني به لازماً، وما أشرت إلى التفضل به إحساناً، وعليك ما ألزمت به نفسك فرضاً وفضلاً؛ ثم بين وفسر ذلك بقوله: {أيما الأجلين} أي أيّ أجل منهما: الثماني أو العشر {قضيت} أي عملت العمل المشروط علي فيه خرجت به من العهدة {فلا عدوان} أي اعتداء بسبب ذلك لك ولا لأحد {علي} أي في طلب أكثر منه لأنه كما لا تجب على الزيادة على العشر لا تجب عليّ الزيادة على الثمان، وكأنه أشار بنفي صيغة المبالغة إلى أنه لا يؤاخذ لسعة صدره وطهارة أخلاقه بمطلق العدو {والله} أي الملك الأعظم {على ما نقول} أي كله في هذا الوقت وغيره {وكيل} أي شاهد وحفيظ قاهر عليه وملزم به في الدنيا والآخرة، فما الظن بما وقع بيننا من العهد من النكاح والأجر والأجل.

.تفسير الآيات (29- 32):

{فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30) وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآَمِنِينَ (31) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (32)}
ذكر المضمون هذا من التوراة: قال في أول السفر الثاني منها: وهذه أسماء بني إسرائيل الذين دخلوا مصر مع يعقوب عليه السلام، دخل كل امرئ وأهل بيته روبيل وشمعون ولاوي ويهوذا وإيساخار وزيلون وبنيامين ودان ونفتالي وجاد وأشير، وكان عدد ولد يعقوب الذين خرجوا من صلبه سبعين نفساً مع يوسف عليه الصلاة والسلام الذي كان بمصر، فتوفي يوسف وجميع إخواته وجميع ذلك الحقب، وبنو إسرائيل نموا وولدوا وكثروا واعتزوا جداً جداً، وامتلأت الأرض منهم، فملك على مصر ملك جديد لم يكن يعرف يوسف فقال لشعبه: هذا شعب بني إسرائيل قد كثر عددهم فهم أكثر وأعز منا، هلموا نحتال لهم قبل أن يكثروا، لعل أعداءنا يأتونا يقاتلونا فيكونوا عوناً، لأعدائنا علينا فيخرجونا من الأرض، فولى عليهم ولاة ذوي فظاظة وقساوة ليتعبدوهم، وجعلوا يبنون قرى لأجران فرعون واهرائه وفي نسخة: وبنوا لفرعون مدناً محصنة فيسترم في الفيوم وفي عين شمس، وفي نسخة: فيثوم ورعمسيس، وفي نسخة: وأكوان التي هي مدينة الشمس، واشتد تعبدهم لهم، وذلهم أياهم، وكانوا يزدادون كثرة ويعتزون، فاشتد غمهم وحزنهم بسبب بني إسرائيل، وكان المصريون يتعبدون بني إسرائيل بشدة وقساوة، ويمرون حياتهم بالكد والتعب الصعب الشديد بالطين وعمل اللبن وفي كل عمل الحقل، وكان تعبدهم إياهم في جميع ما استعملوهم بالشدة والفظاظة والقسوة، فقال ملك مصر: وجعلنا لقوابل العبرانيات التي تسمى إحداهما فوعا والأخرى شوفرا، وأمرهما: إذا أنتما قبلتما العبرانيات فانظرا إذا سقط الولد، فإن كان ذكراً فاقتلاه، وإن كانت أنثى فاستبقياها فاتقت القابلتان الله ولم يفعلا ما أمرهما به ملك مصر، وجعلتا تستحييان الغلمان، فدعا ملك مصر القابلتين وقال لهما؟ ما بالكما؟ جاوزتما أمري وأحييتما الغلمان؟ فقالتا لفرعون: إن العبرانيات لسن كالمصريات لأنهن قوابل، ويلدن قبل أن تدخل القابلة عليهن، فأحسن الله إلى القابلتين لصنعهما هذا، فكثر الشعب وعز جداً، فلما اتقت القابلتان الله أنماهما وجعل لهما بنين، وفي نسخة: بيوتاً، فأمر فرعون جميع قومه قائلاً: كل غلام يولد لهم فألقوه في النهر، وكل جارية تولد فاستبقوها، فانطلق رجل من آل لاوي فتزوج إحدى بنات لاوي، فحبلت المرأة فولدت ابناً فرأته حسناً جداً، فغيبته ثلاثة أشهر ولم تقدر أن تغيبه أكثر من ذلك، فأخذت تابوتاً من خشب الصنوبر، وطلته بالقار والزفت ووضعت فيه الغلام ووضعته في الضحضاح على شاطئ النهر، وقامت أخته من بعيد لتنظر ما يكون من أمره، فخرجت بنت فرعون تغتسل في النهر، فنظرت إلى التابوت في المخاضة، فأرسلت جواريها فأتوا به ففتحته فرأت الغلام، فإذا هو يبكي فرحمته، وقالت: هذا من بني العبرانيين، فقالت أخته لابنة فرعون: هل لك أن أنطلق أدعو لك ظئراً من العبرانيات فترضع هذا الغلام؟ فقالت لها ابنة فرعون: نعم! انطلقي، فانطلقت الفتاة ودعت أم الغلام، فقالت لها ابنة فرعون: خذي هذا الصبي فأرضعيه وأنا أعطيك أجرتك، فأخذت المرأة الغلام فأرضعته فشب الغلام فأتت به إلى ابنة فرعون فتبنته، وسمته موسى لأنها قالت: إني انتشلته من الماء.
فلما كان بعد تلك الأيام نشأ موسى عليه السلام وخرج إلى إخوته فنظر إلى ذلهم، فرأى رجلاً مصرياً يضرب رجلاً عبرانياً من إخوته من بني إسرائيل، فالتفت يميناً وشمالاً فلم ير أحداً فقتل المصري، فمات ودفنه في الرمل، ثم خرج يوماً آخر فإذا هو برجلين عبرانيين يصطحبان، فقال للمسيء منهما: ما بالك؟ تضرب أخاك؟ فقال له: من جعلك علينا رئيساً وحاكماً؟ لعلك تريد أن تقتلني كما قتلت المصري أمس؟ ففرق موسى وقال: حقاً لقد فشا هذا الأمر، فبلغ فرعون الأمر وأراد موسى، فهرب موسى من فرعون وانطلق إلى أرض مدين، وجلس على طوي الماء، وكان لحبر مدين سبع بنات، فكن يأتين فيدلن الماء فيملأن الحياض ليسقين غنم أبيهن، وكان الرعاة يأتون فيطردونهن، فقام موسى فخلصهن وأسقى غنمهن، فأتين إلى رعوئيل أبيهن فقال لهن: ما بالكن؟ أسرعتن السقي اليوم؟ فقلن له: رجل مصري خلصنا من أيدي الرعاة، فاستقى لنا الماء، وسقى غنمنا، فقال لبناته: وأين هو؟ لم تركتن الرجل، انطلقن وادعونه فيأكل عندنا خبزاً، ففعلن ذلك، فأعجب موسى أن ينزل على ذلك الرجل فزوجه صفورا ابنته فتزوجها فولدت له ابناً فسماه جرشون، لأنه قال: إني صرت ساكناً في أرض غريبة. وولدت لموسى ابناً آخر، فسماه اليعازار، لأنه قال: إن إله آبائي خلصني من حرب فرعون. وقوله: إن المتخاصمين في اليوم الثاني عبرانيان، إن أمكن تنزيل ما في القرآن عليه فذاك، وإلا فهو مما بدلوه، وقوله: إن بنات شعيب سبع لا يخالف ما في القرآن الكريم، بل أيده الزمخشري بتعيينهما بقوله: {هاتين} لكن تقدم ما يشير إلى أن ذلك غير لازم.
ولما كان من المعلوم أن التقدير: فلما التزم موسى عليه السلام زوجه ابنته كما شرط، واستمر عنده حتى قضى ما عليه، بنى عليه قوله: {فلما قضى} أي وفى وأتم، ونهى وأنفذ {موسى} صاحبه {الأجل} أي الأوفى وهو العشر، بأن وفى جميع ما شرط عليه من العمل، فإنه ورد أنه قضى من الأجلين أوفاهما، وتزوج من المرأتين صغراهما، وهي التي جاءت فقالت: يا أبت استأجره روى الطبراني في الأوسط معناه عن أبي ذر رضي الله عنه مرفوعاً، والظاهر أنه مكث عنده بعد الأجل أيضاً مدة، لأنه عطف بالواو قوله: {وسار} ولم يجعله جواباً للما {بأهله} أي امرأة راجعاً إلى أقاربه بمصر {آنس} أي أبصر {من جانب الطور ناراً} آنسته رؤيتها وشرحته إنارتها، وكان مضروراً إلى الدلالة على الطريق والاصطلاء بالنار.
ولما كان كأنه قيل: ماذا فعل عندما أبصرها قيل: {قال لأهله} ولما كان النساء أعظم ما ينبغي ستره، أطلق عليها ضمير الذكور فقال: {امكثوا} وإن كان معه بنين له فهو على التغليب، ثم علل ذلك بقوله مؤكداً، لاستبعاد أن يكون في ذلك المكان القفر وفي ذلك الوقت الشديد البرد نار: {إني آنست ناراً} فكأنه قيل: فماذا تعمل بها؟ فقال معبراً بالترجي لأنه أليق بالتواضع الذي هو مقصود السورة، وهو الحقيقة في إدراك الآدميين في مثل هذا، ولذا عبر بالجذوة التي مدار مادتها الثبات: {لعلي آتيكم منها} أي من عندها {بخبر} ينفعنا في الدلالة على المقصد {أو جذوة} أي عود غليظ {من النار} أي متمكنة منه هذه الحقيقة أو التي تقدم ذكرها؛ ثم استأنف قوله: {لعلكم تصطلون} أي لتكونوا على رجاء من أن تقربوا من النار فتنعطفوا عليها لتدفؤوا، وهذا دليل على أن الوقت كان شتاء {فلما أتاها} أي النار.
ولما كان آخر الكلام دالاً دلالة واضحة على أن المنادي هو الله سبحانه، بنى للمفعول قوله دالاًّ على ما في أول الأمر من الخفاء: {نودي} ولما كان نداؤه سبحانه لا يشبه نداء غيره بل يكون من جميع الجوانب، وكان مع ذلك قد يكون لبعض المواضع مزيد تشريف بوصف من الأوصاف، إما بأن يكون أول السماع منه أو غير ذلك أو يكون باعتبار كون موسى عليه الصلاة والسلام فيه قال: {من} أي كائناً موسى عليه السلام بالقرب من {شاطئ} أي جانب {الواد} عن يمين موسى عليه الصلاة والسلام، ولذلك قال: {الأيمن} وهو صفة للشاطئ الكائن أو كائناً {في البقعة المباركة} كائناً أول أو معظم النداء أو كائناً موسى عليه الصلاة والسلام قريباً {من الشجرة} كما تقول: ناديت فلاناً من بيته، ولعل الشجرة كانت كبيرة، فلما وصل إليها دخل النور من طرفها إلى وسطها، فدخلها وراءه بحيث توسطها فسمع- وهو فيها- الكلام من الله تعالى حقيقة، وهو المتكلم سبحانه لا الشجرة، قال القشيري: ومحصل الإجماع أنه عليه الصلاة والسلام سمع تلك الليلة كلام الله، ولو كان ذلك نداء الشجرة لكان المتكلم الشجرة، وقال التفتازاني شرح المقاصد أن اختيار حجة الإسلام أنه سمع كلامه الأزلي بلا صوت ولا حرف كما ترى ذاته في الآخرة، بلا كم ولا كيف، وتقدم في طه أن المراد ما إلى يمين المتوجه من مصر إلى الكعبة المشرفة، والشجرة قال البغوي: قال ابن مسعود رضي الله عنه: كانت سمرة خضراء تبرق، وقال قتادة ومقاتل والكلبي: كانت عوسجة، وقال وهب: من العليق، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إنها العناب. ثم ذكر المنادي بقوله: {أن يا موسى} وأكد لأنه سبحانه لعظمه يحتقر كل أحد نفسه لأن يؤهله للكلام لاسيما والأمر في أوله فقال: {إني أنا الله} أي المستجمع للأسماء الحسنى، والصفات العلى.
ولما كان هذا الاسم غيباً، تعرف بصفة هي مجمع الأفعال المشاهدة للإنسان فقال: {رب العالمين} أي خالق الخلائق أجمعين ومربيهم {وأن ألق عصاك} أي لأريك فيها آية.
ولما كان التقدير: فألقاها فصارت في الحال حية عظيمة، وهي مع عظمها في غاية الخفة، بنى عليه قوله: {فلما رآها} أي العصا {تهتز كأنها} أي في سرعتها وخفتها {جان} أي حية صغيرة {ولّى مدبراً} خوفاً منها ولم يلتفت إلى جهتها، وهو معنى قوله: {ولم يعقب} أي موسى عليه الصلاة والسلام، وذلك كناية عن شدة التصميم على الهرب والإسراع فيه خوفاً من الإدراك في الطلب فقيل له: {يا موسى أقبل} أي التفت وتقدم إليها {ولا تخف} ثم أكد له الأمر لما الآدمي مجبول عليه من النفرة وإن اعتقد صحة الخبر بقوله: {إنك من الآمنين} أي العريقين في الأمن كعادة إخوانك من المرسلين؛ ثم زاد طمأنينته بقوله: {اسلك} أي ادخل على الاستقامة مع الخفة والرشاقة {يدك في جيبك} أي القطع الذي في ثوبك وهو الذي تخرج منه الرأس، أو هو الكم، كما يدخل السلك وهو الخيط الذي ينظم فيه الدرر، تنسلك على لونها وما هي عليه من أثر الحريق الذي عجز فرعون عن مداواته، وأخرجها {تخرج بيضاء} أي بياضاً عظيماً يكون له شأن خارق للعادات {من غير سوء} أي عيب من حريق أو غيره، فخرجت ولها شعاع كضوء الشمس، فالآية من الاحتباك.
ولما كان ذلك لا يكون آية محققة لعدم العيب إلا بعودها بعد ذلك إلى لون الجسد قال: {واضمم إليك} أي إلى جسدك. ولما كان السياق للتأمين من الخوف، عبر بالجناح، لأن الطائر يكون آمناً عند ضم جناحه فقال: {جناحك} أي يديك التي صارت بيضاء، والمراد بالجناح في آية طه الإبط والجانب لأنه لفظ مشترك {من الرهب} أي من خشية أن تظنها معيبة تخرج كما كانت قبل بياضها في لون جسدك- هذا على أن المراد بالرهب الخوف الذي بهره فأوجب له الهرب، ويجوز أن يكون المراد بالرهب الكم، فيكون إدخالها في الفتى- التي ليست موضعها بل الرأس- للبياض، وإدخالها في الكم- الذي هو لها- لرجوعها إلى عادتها، وفي البغوي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الله تعالى أمره أن يضم يده إلى صدره فذهب عنه ما ناله من الخوف عند معاينة الحية، وقال: وما من خائف بعد موسى عليه الصلاة والسلام إلا إذا وضع يده على صدره زال خوفه. وأظهر بلفظ الجناح من غير إضمار تعظيماً للمقام وتنبيهاً على أن عودها إلى حالها الأول آية مستقلة، وعبر عنها بلفظ الجناح تنبيهاً على الشكر بتعظيم نفعها.
ولما تم كوناً آية بانقلابها إلى البياض ثم رجوعها إلى لونها قال: {فذانك} أي العصي واليد البيضاء، وشدد أبو عمرو وابن كثير ورويس تقوية لها لتعادل الأسماء المتمكنة، وذكر لزيادة التقوية {برهانان} أي سلطانان وحجتان قاهرتان {من ربك} أي المحسن إليك لا يقدر على مثلهما غيره {إلى} أي واصلان، أو أنت مرسل بهما إلى {فرعون وملئه} كلما أردت ذلك وجدته، لا أنهما يكونان لك هنا في هذه الحفرة فقط، ثم علل الإرسال إليهم على وجه إظهار الآيات لهم واستمرارها بقوله مؤكداً تنبيهاً على ان إقدامه على الرجوع إليهم فعل من يظن أنهم رجعوا عن غيهم، وإعلاماً بمنه عليه بالحماية منهم بهذه البراهين: {إنهم كانوا} أي جبلة وطبعاً {قوماً} أي أقوياء {فاسقين} أي خارجين عن الطاعة، فإذا رأوا ذلك هابوك، فلم يقدروا على الوصول إليك بسوء، وكنت في مقام أن تردهم عن فسقهم.